نحاول في هذه الورقة استجلاء الأسس الدستورية للبرلمان بشكل عام، وللجان البرلمانية بشكل خاص، ولجنة التحقيق بشكل أخص، وذلك مساهمة ـ وبشكل مختصر ـ في النقاش الدائر حول العمل البرلماني بشكل عام، وخاصة لجنة التحقيق البرلمانية المنشأة أخيرا.
وبشكل عام يمكن التمييز دستوريا بين تنظيم البرلمان واختصاصاته:
فالتنظيم :نظم تحت الباب الثالث المعنون بـ “السلطة التشريعية”، ولم يعترف المشرع الدستوري ـ في هذا الباب ـ باللجان كوحدة تنظيمية ضمن تنظيم البرلمان، مكتفيا بالتنصيص على أنه: “يتشكل البرلمان من غرفة تمثيلية وحيدة تسمى الجمعية الوطنية”(المادة 45).
ولم يحل هذا الباب إلا إلى قانونين نظاميين يتضمن الأول منهما نظام الانتخاب وعدد النواب، وحالات التعارض، والعلاوات… (المادة 48 )، والثاني يتعلق بتفويض التصويت (المادة 51).
أما الاختصاص : فقد نظم تحت الباب الرابع المعنون بـ “حــول علاقات السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية” حيث اعترف هذا الباب بمجموعة من الاختصاصات للبرلمان بعضها تشرك معه فيه الحكومة (اقتراح وإقرار القانون المادتين 56 ـ 61 ، الترخيص في إعلان الحرب المادة 58 … ) .
وبخصوص اللجان: ورد ذكرها لأول مرة في هذا الباب في معرض حديث المشرع الدستوري عن مسطرة التشريع، حيث نص على أنه تقدم مشاريع القوانين للجان تنشأ خصيصا لهذا الغرض في حالة الطلب من الحكومة أو البرلمان(المادة 64/ف1)، وفي حالة عدم تقديم هذا الطلب، تحال مشاريع القوانين إلى إحدى اللجان الدائمة في الجمعية الوطنية وعددها خمس (5) لجان (المادة 64/ ف2).
ويأخذ من ذلك أن المشرع الدستوري أقر بوجود خمس لجان دائمة ضمن تنظيم البرلمان، رغم أنه كان عليه أن ينظمها تحت الباب الثالث مراعاة للهندسة الدستورية، كما اعترف بأهلية البرلمان بإنشاء لجان برلمانية، وإن حصر وظيفتها بنقاش مشاريع قوانين.
ولكن الملفت للانتباه أن البرلمان كان بإمكانه ـ ومازال ـ اللجوء للمادة 72 من الدستور واقتراح قانون ينظم قواعد التحقيق البرلماني بشكل عام، على غرار التجارب المقارنة وخاصة فرنسا التي ينظم العمل البرلماني فيها بقانون (الأمر القانوني 58-1100)، بل أكثر من ذلك أفردت قانونا خاصا للجان التحقيق هوالقـانون رقم 91-698 الصادر بتاريخ 20/02/1991، ومن جهة أخرى لأن الحكومة بموجب هذه المادة ـ 71 من الدستور ـ ليست ملزمة بالرد على الإيضاحات التي يطلبها منها البرلمان حول تسييرها ونشاطتها،إلا وفق الصيغ التي يحددها القانون، وهو ما يتطلب من البرلمان الإسراع في إعداد مقترح وفقا للمادة 72 يحدد قواعد الرقابة البرلمانية بشكل عام تفعيلا للمشروعية ورفعا للحرج من الاستناد إلى النظام الداخلي، الذي يجب أن تنحصر مقتضياته في التنظيم الداخلي له ـ رغم غياب أساس دستور واضح له ـ ، والارتقاء بتنظيم عمله الخارجي إلى درجة القانون.
وحتى بالرجوع للنظام الداخلي للبرلمان ـ بغض النظر شرعية تنظيمه للجان التحقيق ـ فإن تنظيمه لها كان محدودا، حيث اختصر على تنظيم الإنشاء والإنهاء (المادتين 123 و 124 من النظام الداخلي ) دون تأطير مابين ذلك، وهو المرحلة الأهم، حيث كان عليه تنظيم عمل اللجنة ومدها بآليات التي تمكنها من ممارسة عملها، وتجنيبها الارتباك الذي يحد من مكانتها وفعاليتها كرقابة سياسية .