تعاني قرية “جاكلي” كغيرها من قرى المجتمع السىوننكي داخل الحيز الترابي الموريتاني والبالغ عددها٤٥ قرية، من واقع مجتمعي بعيد كل البعد عن مفهوم الدولة المدنية الحديثة التي تحمي مواطنيها وتضمن لهم العيش الكريم والمساواة تحت ألوان العلم الوطني.
فرغم أن العالم تحدث طيلة الفترة الماضية عن مخلفات العبودية في مجتمع البيظان، فإن تعقيدات هذهالممارسة وتجذرها في المجتمع السوننكي يفوق بكثير ماتم الحديث عنه رغم جرميتها وبشاعتها.
فلازالت مجتمعات السوننكي تمارس علنا مساوئ الطبقية وتحرم ٩٥٪ من أبناء المكون المسمى بالأرقاء منجميع الحقوق المكفولة قانونيا، فلا يحق لهم التملك ولا الإمامة أما عن التمثيل في مؤسسات الدولة فحدثولاحرج، حيث يمكن للرقيق التطلع إلى الوظائف السامية، ولا الترشح لشغل منصب انتخابي، رغم أن الأرقاءهم الممول الأبرز لصندوق التكافل الاجتماعي الذي يجبى من كل البالغين في الداخل والخارج مبالغ طائلة.
في حالة نادرة تم تعيين وزير من الأرقاء فابلغت مجموعة الأسياد، السلطات، أنه لايمثلها، وعندما قام بزيارةللجارة الجزائر رفض السفير الموريتاني استقباله، لأن سعادة السفير من الأسياد وغير مستعد للتنقل مناجل استقبال رقيق تابع له.
وضمن هذه التجاوزات تتنزل حوادث غلق عدة مساجد في قرى المجموعة لأسباب يتحدث عنها الرقيقالسابق “هادياتو سنقاري” (الصورة) في تصريح لـ “الحرية نت”: منذ سنوات شيدنا مساجد من ريعتبرعات الجالية من أبنائنا في أوروبا، لكن بعد انتهاء العمل فيها قال الأسياد إن الإمام لايمكن أن يكون منمجتمعنا حتى لوكان حافظا لكتاب الله، بل يجب أن يكون من الأسياد وعندما يغيب لسبب أو آخر يخلفه ابنهولو كان فاسقا.
أما عن المضايقات المجتمعية – يقول هادياتو – فحدث ولاحرج، نحن نحرم من زراعة الأرض، وتحرقمحاصيلنا ومنازلنا لأنه لايحق لنا الاكتفاء ذاتي أو التصرف في ممتلكاتنا إلا بإذن الأسياد.
تواطؤ الإدارة
اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان أجرت جردا للقرى السوننكية وبذلت جهدا يعترف الأرقاء بأنه كان مؤثرا وفيصالحهم حيث ظهر ذلك جليا في قرية مدبوكو بمقاطعة كوبني، عندما عقد رئيس اللجنة اجتماعا ضم ولأولمرة الارقاء والأسياد، وتوصل لتفاهمات ساهمت في تهدئة الاحتقان، وكانت بلدية مدبوكو تشهد بشكلمستمر مناوشات داميا بين الجانبين وتتدخل السلطات لتهدئته دون أن تفرض هيبة الدولة وتطبق القانونفي حق المعتدين الأسياد.
مدبوكو ليست استثناء فبقية قرى السوننكي تقول في استعارة لواقعها السابق: “أشبهت حالك حاليوحاكى عذري عذرك” يحدث ذلك يوميا وبشكل أكثر عنفا وغطرسة في القرى ولاية كيدي ماغا وبالتحديد قرية“جاكلي” التي تشكل نموذجا صارخا لواقع مجموعة السوننكي.
عن هذا الواقع وغياب الدولة عن حماية مواطنيها يقول أحد المتضررين: الإدارة متورطة في استمرار هذاالحيف، لأن بعض الولاة والحكام وحتى القضاة، يستفيدون من استمرار هذا الواقع ويدر عليهم مكاسبمادية رغم أن الدولة ممثلة في رئيس الجمهورية أكد أكثر من مرة على المساواة بين
واقع مجتمع السوننكي يعكس بجلاء الصورة القاتمة التي يرفض البعض رؤيتها من دون رتوش حينيستمر في نكران وجود ظاهرة الاستعباد المقيتة في المجتمع الموريتاني، والقول بأن التمايز يعود إلىأسباب مادية بحتة، ذلك لأن مجتمع السوننكي لايعاني أرقاؤه الغبن المادي، بل إنهم أوفر ماديا ولديهمجاليات مؤثرة اقتصاديا على الدولة الموريتانية، إلى حد تصنيفها في حقبة الرئيس الأسبق معاوية ولدسيدي أحمد الطايع بأنها أكبر مورد يساهم في تزويد البنك المركزي بالعملة الصعبة.
ولأننا نعيش في القرن الواحد والعشرين حيث يحاول الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ضمان حقوق الشواذ،هل يعقل أن يستمر الفصل بين أبناء بلد تنص المادة الأولى من دستوره أن “الجمهورية تضمن لكافةالمواطنين المساواة أمام القانون دون تمييز في الأصل والعرق والجنس والمكانة الاجتماعية. يعاقب القانونكل دعاية إقليمية ذات طابع عنصري أو عرقي”.
إن محاولة الالتفاف على القانون وعلى الواقع لصالح بعض الإنتفاعيين لن يكون أبدا في صالح الدولة المركزية وسيتسبب لامحالة في حرب “اسبارتيكوس” أخرى، بعض الهدوء قد ينذر بقرب العاصفة.
الحرية نت