يَسْتنْبِئُ كثيرون عن أسبابِ الْإبْطاء في العمل الديمقراطي ويسْكتون عن بعض الدّواعي التي قد تكون مساعدة فيه فأردْتُ بدْء تحليلٍ موضوعي يفتح الباب أمام شهية المثقفين لتدارس الأمر بكل تجردٍ خدمة للأمة.
ابْتداءً أنبه إلى أن هذا المكتوبَ يرادُ له أن يكون موضوعيا وأن يجيب على الأسئلة المتعلقة بالإبْطاء الديمقراطي الذي يستعجله البشرُ من دون مراعاة للإكراهات المتنوعة التي يوجبها الواقع.
نشير إلى أن الدّول النامية إنما نالت الاستقلال من خلال مقاومات وعند الكلام عن المقاومة فنحن نعني بعدا عسكريا، أكان تم بواسطة مجموعة أو مجاهدين أو غير ذلك.
بعد الاستقلال وبسبب عدم تجذُر الديمقراطية ’ عندما ينحرف القادة عن الطريق السليم لا يكون من مُخلِّصٍ غيرِ القوة العسكرية فيتجسد ذلك في الانقلابٍ العسكريٍ.
وإلي عهد قريبٍ كان يُنظر إلى الانقلاب العسكري علي أنه تجسيد (للرّجولية) والشجاعة حيث يطلق على من يتزعمُه الرّجل القوي الجديدُ وفيما بعد يظهر رجلٌ قويٌ آخرُ في متتالية لا نهاية لها تلاقي الدعم تلو الآخر من لدن الشعوب التي بسبب مطاوعة الواقع والمخزن تنطلق من لابُدِيَةِ دعم النظام، أيِ نظامٍ.
وقد أتي المستعمر بشبه ديمقراطيةٍ بدأت بتمثيل نيابي ومن بعد انتخاب أولِ رئيس للبلاد في إطار الحزب الواحد في أول تجربة ديمقراطية بُنيَ عليها كثيرُ الأملِ وأنجزت بالفعل الكثيرَ ولولا خطأ دخول حرب الصحراء ازْدادَ الخيرُ.
ولئن كان انقلابُ 78 برَرَتْه حربُ الصحراء فقد فتح شهية العسكريين علي غرار ما تشهده القارة ولتُسَجِلَ البلادُ عدة انقلاباتٍ متتابعة ولتكون لها الصدارة في النوع الجديد القديم من التغيير في الحكم(انقلابٌ فانقلابٌ فحركة تصحيحية وحركة مضادة إلخ..)
ومن دون الخوض في سلبيات وإيجابيات الأحكام الاستثنائية بصفة عامة فثمة إجماعٌ على اختلافٍ في وجهة النظر: من آوَوْهم ونصروهم ومن التزم الصمت حيث لا حيلة للتنفيس.
هذا وينبغي أن لا نغفلَ عن أن التَّنوُعَ الديمغرافي والثقافي وهما مصدر إثراءٍ للأممِ كانا وراء أحداثٌ عنيفة عندنا لا فائدة من ذكر تفاصيلها ولا نرجو تكرارَها.
أُضيفَ لتلك الأحداث شَغَفُ البعض لتولي قيادة البلد باسم مُكوّنٍ عبر محاولات انقلابية فاشلة بحمد الله دعَمت تفاصيلُها تَكوُنَ رأيٍ شبه ِعامٍ يقول بضرورة إبْقاء الحكم بيد العسْكر درْءً للفتنة الوطنية واعتبارا لتشكله البنية الوطنية والطموح المفرط في حب السلطة عند البعض ضربا بالحائط لمشروع أية مأسَسَة.
تلك المحاولات وما سبقها لا زالت إلي اليوم هي وما بعدها من ردود تثير الاهتمام رغم محاولات تجاوزها عبر العفو وغيره من صلوات الغفران.
ذلكم بالإضافة إلي مسائل أخرى ومن دون التفاصيل هو ما يدعم >>مَقْبوِلِيَة << بقاء أصحاب التجربة العسكرية في الحكم أو بقربه لجهة استتباب الأمن والمحافظة علي الوطن كما يرى العوام والمثقفون أيضا.
وللتصحيح فثمة شبه إجْماعٍ بأن الرّجلَ ذا التكوين العسكري أقدرُ علي ديمومة الأمن في أمة ذات تنوعٍ.
زِدْ أن التَكشُفَ المتزايد ومن دون احتشام للشرائحية هو الآخر شكّلَ عامل فزع عند البعض جعله يري في الرّجل ذي التكوين العسكري مخلِّصا وأن المدنيين ليس بوسعهم الوقوف في وجه دعوات التطرف والفئوية اللّونية إن صحّ التعبير.
ومن جهة فإن الرّجل العسكري وقد تمرّسَ علي حكم البلاد وخبَرَ معاملة الطيف السياسي وفقِهَ آلية الإسْكاتِ تشكلت لديه مهاراتٌ مساعدة علي بلوغ الطموحات ومخْطئٌ من يرى أنهم لا يحسنون القيادة لأن القيادة فنٌ : حسنُه حسَنٌ وقبيحه قبيح.
ولأن الجيش مؤسسة منظمَة يخضع أسلاكُها لنظامٍ دقيقٍ بُني علي الامتثال للتعليمات ومسؤولون ابْتداءً ونهاية عن الأمن فهذا يضعهم في طليعة أي مشهد سياسي يحافظ علي ديمومة الدّولة في إطارٍ ديمقراطيٍ طبقا للقوانين عَكْسَ ما عليه الأحزاب والتنظيمات التي كلٌ منها يعمل علي نهْجٍ خاصٍ ولديه من البرامج ما لا يتقاطع مع غيره.
وفي النهاية يظل الجيش والأمن في مناخ الديمقراطية حصنا للأمة من الاندثار أو التشرذم أو التشتت ضمن شرائح أو تنظيمات بعينها تعشق القيادة ولو على حساب دوام الدولة.
حفظ الله موريتانيا