أعلن اليوم الأحد في العاصمة الموريتانية نواكشوط عن وفاة “مريم داداه”، زوجة المختار ولد داداه، أول رئيس يحكم موريتانيا بعد استقلالها عن فرنسا عام 1960.
ووصلت مريم داداه إلى موريتانيا عام 1959، قبيل استقلالها عن فرنسا بأشهر معدودة، ولعبت دورا كبيرا في المشهد السياسي الموريتاني منذ ذلك التاريخ.
ومنذ الإطاحة بالرئيس المختار ولد داداه، في انقلاب عسكري عام 1978، عاشت إلى جانبه في منفاه بفرنسا، قبل أن تعود معه إلى موريتانيا فترة قصيرة قبل وفاته.
أسست الراحلة مريم داداه، هيئة تعنى بالمحافظة على إرث زوجها، تحمل اسم “هيئة المختار ولد داداه”، تهدف للمحافظة على جانب من التراث والأرشيف الموريتاني خلال حقبة الستينيات والسبعينيات.
وهي الهيئة التي نالت خلال حكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، عقابا إداريا بتخفيض رتبتها من منظمة ذات نفع عام، إلى جمعية ابتدائية.
وجاء العقاب الإداري هذا على خلفية إصدارها بيانا يرفض تسمية المطار الجديد بأم التونسي، مطالبة بأن يحمل اسم الرئيس الراحل المختار ولد داداه، على غرار ما حدث في عواصم عربية وأفريقية عديدة.
تعرضت مريم داداه خلال السنوات الأخيرة لوعكة صحية، ونقلت إلى إحدى العيادات الخاصة، وأوفد إليها الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني وفدا حكوميا برئاسة وزير الداخلية للاطمئنان على صحتها وتلبية احتياجاتها، بحسب ما أعلن حينها.
الصدمة..
كشفت مريم داداه، عقيلة أول رئيس لموريتانيا الراحل المختار ولد داداه، عن تفاصيل أول رحلة تقودها إلى موريتانيا، وكيف صدمتها العاصمة الوليدة نواكشوط، عام 1959.
تقول مريم داداه، إنها وصلت إلى نواكشوط أول مرة، على متن طائرة رفقة الرئيس المختار ولد داداه قادمة من العاصمة السنغالية داكار، عام 1959 قبيل الاستقلال بأشهر معدودة.
وأشارت إلى أنها أصيبت بصدمة كبيرة حين نظرت من نافذة الطائرة ورأت المشهد، عندما أخبرها الرئيس المختار أن الرحلة وصلت إلى نواكشوط؛ وأضافت أنها عندما ألقت النظرة شاهدت قرابة ثلاثين منزلاً متواضعاً، وقيل لها “هذه هي العاصمة الموريتانية”.
“لقد أصبت بصدمة كبيرة، وأنا القادمة من مدينة باريس، التي يبلغ تعداد سكانها آنذاك ثمانية ملايين نسمة”، تقول مريم، ثم تضيف في حديثها عن تفاصيل الحياة في العاصمة الوليدة: “لقد كانت العاصمة تشرب من مياه يتم جلبها من مدينة روصو، والغذاء غير متوفر، ومقتصر على اللحوم، والكهرباء نحصل عليها عبر مولّد نشغله في أوقات محددة”.
تصر مريم داداه في معظم لقاءاتها، على أن تحكي كيف عمل جيل التأسيس في بدايات الدولة الموريتانية، وتقول إن الهدف من سرد هذه التفاصيل هو “إسماعها للشباب الموريتاني ليعرف مدى الجهد والتضحيات التي بذلها هذا الجيل لبناء الدولة”.
ترى مريم أن موريتانيا لم تبنَ من لا شيء، فلديها تاريخ ورجال ونساء لهم شأن كبير، انخرطوا مع زوجها الراحل في المشروع وساهموا تماما كما فعل هو، خلال فترة الاستعمار كانت البلاد تحتوي على كل العوامل الكفيلة ببناء دولة باستثناء عاصمة، وكان لا بد من الشجاعة التي تحلى بها الرئيس لكي يتم تشييد هذه العاصمة.. تجلت هذه الشجاعة في عقد أول مجلس للوزراء تحت الخيمة، تقول مريم داداه.
المرأة القوية
مع إعلان استقلال موريتانيا عام 1960، بدأ دور مريم داداه يتنامى في الحياة السياسية الموريتانية، وأصبحت رقما صعبا في المشهد، وأدارت ملفات تهتم بالشباب من خلال التجمع الذي أطلق عليه الموريتانيون “شباب ماري تيريز”، الذي ضم ناشطين في بعض الحركات العاملة في البلاد حينها.
كما عملت مريم التي دخلت الإسلام في السبعينيات، على ملفات أخرى تهتم بالتعليم والمرأة، وسعت إلى تحديث المنظومة الاجتماعية.
كانت “ماري تريز” كما يفضل الموريتانيون أن يطلقوا عليها، إلى جانب زوجها في وضع تصور خاص بشأن الحزب الواحد، تقول إنه كان يمضي ساعات طويلة في النقاش، ولم يكن ذلك عبثا، كان ذلك دائما يفضي إلى شيء، وتضيف في لقاء سابق مع الوكالة الموريتانية للأنباء (رسمية): “في سنتي 69 و70 نظم العديد من الملتقيات داخل البلاد، وكان لي شرف مرافقته، وهنا أتحدث كشاهدة، كانت هذه الملتقيات فرصة يتحدث فيها الكل وبحرية، ويتم خلالها تقديم نقد بناء للرئيس.. كان جميع القرارات التي يتخذها تأخذ هذه الانتقادات في الحسبان”.
تؤكد مريم أن “نواة الديمقراطية كانت موجودة في حزب الشعب الموريتاني، ولا أحب أن يقال إنه كان حزبا دكتاتوريا، صحيح أنه الحزب الوحيد لكنني أوضح أن ذلك لم يكن إلا مؤقتًا”.
ظلت تلك السيدة الفرنسية التي أحبت موريتانيا وانتمت إليها حتى آخر لحظة، حديث الموريتانيين حتى أطاح العسكر بزوجها في انقلاب عام 1978، فعملت على إخراجه من سجن مدينة ولاته التاريخية، مستعينة بفرنسا التي تدخلت لإقناع حكام موريتانيا الجدد حينها بإطلاق سراحه لتلقي العلاج.