من كان يتصور بأن رئيس حركة إيرا النائب الحالي بيرام الداه اعبيد يمكن أن يجري مقابلة تلفزية ولا يعلم بها أحد ؟ لقد حصل ذلك بالفعل الأسبوع الماضي، حيث حل ضيفا على قناة شنقيط، غير أن المقابلة لم تجد ذكرا على مواقع التواصل الاجتماعي أو على الواقع، فما السبب ؟ في هذا المقال أقدم قراءة لما يمكن أن يعتبر بداية أفول نجم أحد أكثر الحقوقيين والسياسيين جدلا خلال العشرية الماضية.
صانعو الزعيم
العارف بحركة إيرا سيستغرب من عدم وجود حملة ترويج تسبق حلقة رئيس الحركة على مواقع التواصل الاجتماعي، وسيستغرب عدم مشاركتها بعد ذلك، ليس هناك مبرر لهذا سوى وجود امتعاض داخلي لدى جل الشباب الذين صنعوا سمعة حركة إيرا وشهرة رئيسها، وهو وعي بات يتأثر منه رئيس الحركة سلبا، وقد يظهر للعلن في الأيام المقبلة، شيئا فشيئا.
اندفاع هؤلاء الشباب وعملهم الدءوب على مواقع التواصل الاجتماعي، هو الذي كان يجعل من بيرام الداه اعبيد حديث الساعة في كل مكان، سواء سلبا وإيجابا، وأي تراجع من هؤلاء الشباب سيلعب دورا كبيرا في أفول نجم الزعيم الذي صنعوا.
بعض هؤلاء الشباب سجنوا وعذبوا في المظاهرات، من أجل قضايا لحراطين ومن أجل حماية قيادات الحركة، وتلك المظاهرات هي التي جعلت رئيسهم يجد فرصة خارج موريتانيا للحديث عن العبودية في موريتانيا وتعذيب المناضلين ضدها.
يدرك بيرام الداه اعبيد جليا، أن هؤلاء هم الوقود الذي يحترق من أجل أن يتقدم هو أشواطا في مساره السياسي، وربما بدأ الشباب يتفطن بعضهم لذلك، فقد احترقوا بالفعل، وتغير واقع بيرام الداه اعبيد وبقوا هم في معاناتهم يعيشون.
الخطاب لم يعد “يستفز”
بنى بيرام الداه اعبيد شهرته على خطاب ” مستفز” لليمين في موريتانيا، و ” كلام بلا قبعات” يعجب طبقة تعبت من السحق تحت الأقدام، وأصبحت يعجبها كل ما ينغص حياة الطبقة المسيطرة على الأخضر واليابس في البلد.
أدرك الرجل قيمة ذلك الخطاب داخليا وخارجيا، ساعد في نشره المواقع المحسوبة على الإسلاميين، وبعد ذلك قناة الوطنية – حينما كان حليفه السابق عدوه الجديد حنفي الدهاه مديرا للقناة- زاده في ذلك المسار شيطنة النظام السابق، والتي خلقت تعاطفا معه في أوساط المثقفين والتقدميين من باقي الشرائح.
مع نهاية حكم الرئيس ولد عبد العزيز، خفتت حدة الشيطنة التي تولد تعاطفا، وانتشر النقد اللاذع على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الإعلام التقليدي، “فدبغ جلد” المجتمع على أنواع الكلام، وأصبح خطاب بيرام الداه اعبيد جزءا من خطابات متعددة يتم تجاوزها.
محاولات يائسة
تفطن بيرام الداه اعبيد للضعف الذي بدأ يظهر على خطابه، ولذلك قرر القفز قليلا لصنع جدل جديد، فلم يكن أمامه سوى وصف موريتانيا ب “الآبرتايد” وهو الشيء الذي لم يفعله في ذروة خطابه الذي وصف ب “المتطرف” تلك كانت محاولة يائسة للعودة إلى إثارة الجدل في الرأي العام الموريتاني لم تدم طويلا.
منذ أسابيع وهو يعقد مؤتمرات صحفية، يرسل رسائل إلى النظام، ويكشف بعض أوراقه “لم أتحدث في البرلمان، أردت إعطاء فرصة للنظام” لكنه لا يجد ذكرا كما السابق، إنها بداية أفول نجم الرجل، فمالذي سيفعل لكي يعود للواجهة؟
من أجل مهادنة النظام، أصبح بيرام الداه اعبيد أحد أكثر النواب تغيبا عن جلسات البرلمان، منذ انتخابه، يخرج الآن للعلن ليذكر النظام بنفسه لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، فمن يدري ربما يغير تلك الإستراتجية إذا لم يتغير أي شيئ.
التهديد الجديد
مع نهاية فعالية خطاب بيرام الداه اعبيد، يزداد بزوغ نجم زميله في البرلمان، المحامي الشاب العيد محمذن امبارك، الذي بات يحظى بتقدير لافت من فئات مختلفة.
يشكل وجود الشاب الرزين في الواجهة تهديدا قويا لمستقبل بيرام الداه اعبيد كقائد حرطاني، فالأول يمتلك الكثير من الصفات التي يمكن أن تجعله الخيار الأول بالنسبة لشريحة لحراطين وطبقة عريضة من الشرائح الأخرى.
لدى العيد محمدذن امبارك، قاعدة بنى عليها مساره الحقوقي والسياسي، فمن ناحية شارك في تحرير عشرات العبيد بحكم القانون بوصفه محام وحقوقي، كما راكم تجربة سياسية في أحد أعرق الأحزاب المعارضة في البلد، هذه بالإضافة إلى سيرته النظيفة وعدم ذكر اسمه في أماكن الشبهات.
قد لا تكون لدى المحامي الشاب نية في الترشح للرئاسة في القريب العاجل، عكس زميله بيرام الداه اعبيد، لكن بالتأكيد هناك أطراف ترى فيه خيارا محتملا للترشيح، وقد تتعزز تلك الفكرة في المستقبل، وأي ترشيح له سيكون بمثابة القضاء على مرشحين آخرين خاصة من شريحة لحراطين.
ختاما لقد وصل بيرام الداه اعبيد النائب الحالي في البرلمان، إلى مرحلة لم يعد بمقدوره تقديم المزيد في مشواره، وهو في طريقه إلى منطقة التراجع، فلم يعد “الحقوقي المفزع” ولم يصبح ” السياسي الوطني” رغم أنه لن يتوقف عن الحلم في مواصلة السعي إلى الرئاسة، ويمكن أن يعفل أي شيئ من أجل ذلك، غير أن مشكلته الحقيقية هو أنه بنى أتباعا ولم يبني قادة يساعدونه في المعارك السياسية، وهو غير قادر على استقطاب سياسيين من الخارج.
يحاول الآن الشراكة مع قادة الزنوج، وهو تحالف قد يضمن له البقاء في الأفواه، لكن لا يؤثر في النزال السياسي المنافس على كرسي الرئاسة، وذلك هو الهدف بالتأكيد الذي يسعى إليه.
السالك زيد – صحفي