.
تم يوم الإثنين 15 يونيو 20.20التوقيع على اتفاق تسويةِ خلافٍ بين الحكومة الموريتانية و شركة Kinross Gold Corporation (KGC)المالكة 100%لشركة استغلال معدن الذهب بمنطقة تازيازت Tasiast Mauritanie Limited SA(TMLSA).
و قد أثارت تسوية الخلاف بعض التعليقات المرحبة المثمنة و الاستدراكات المستفهِمة المتحفظة و الانتقادات اللاذعة المُشكِّكة و هو ما استدعى مني الاهتمام بجمع بعض المعلومات و إجراء بعض المقارنات مع مجريات التعاقد مع شركات التنقيب عن الذهب بالمنطقة.
مناطُ الخلاف هو شعور الطرف الموريتاني بشيئ من الغبن فى الاتفاقية الأولى و مطالبة كنروس الحكومة الموريتانية باسترجاع ضرائب طُلِب منها سدادها بينما هي محل إعفاء بنص الاتفاقية(إجراء شبيه بالاقتراض) و قد شملت مصفوفةُ تسوية الخلاف بنودًا تتعلق باتفاقية تازيازت الأولى(TMLSA) و بنودًا تخص اتفاقية تحويل رخصة تنقيب إلى رخصة استغلال لفائدة شركة تازيازت الجنوبية (SENISSA).
فبخصوص اتفاقية تازيازت الأولى حصل الطرف الموريتاني على المزايا التالية:
أولا-تم رفع نسبة الإتاوة (royalties) التى تدفعها شركة تازيازت TMLSA للحكومة الموريتانية من نسبة 3%من رقم المبيعات إلى حد أدنى لن يقل عن 4.5% فى حالة ما إذا لم يتجاوز سعر أونصة الذهب 1000دولار أما إذا زاد سعر الأونصة على 1.600دولار فإن النسبة ستصل 6.5%و معلوم أن سعر أونصة الذهب يناهز حاليا 1.800دولار.
و تأسيسا على هذه النسبة فإن تازيازت ستدفع لموريتانيا إتاوات تساوى ضعف ما كانت تدفعه السنوات الماضية فلو أنها مثلا كانت تدفع سنويا 20مليون دولار عن الإتاوات فمن المتوقع أن تدفع 40مليون دولار ابتداء من النصف الثاني من هذه السنة.
و للمقارنة المعينة على الفهم فإن نسبة 6.5%هي أعلى نسب الإتاوات على استخراج الذهب بالمنطقة [السنغال و بوركينافاسو(5%) ،جنوب إفريقيا (4%)،تانزانيا (6%)] وهي ليست العائد الأوحد على الدول التى يوجد بها الذهب بل تضاف إليها الرسوم و الضرائب و عائدات الأرباح على المساهمين ( -payout dividendes)،…
ثانيا- أُنجزت تسوية الضرائب التى سددتها تازيازت TMLSA و البالغة 128مليون دولار رغم أنها معفية منها بنص الاتفاقية و بمحضر اتفاق موقع بين الشركة و “سلطات ما قبل 18يونيو”وذلك على النحو التالي:
- تنازل تازيازت TMLSAعن 80 مليون دولار (30مليار أوقية قديمة)من تلك المستحقات؛
- التزام الطرف الموريتاني بسداد باقى المستحقات بعد التنازل أي ما يعادل 48مليون دولار(16مليار أوقية قديمة) مجدولة على خمس سنوات ابتداء من 2021؛
-سداد تازيازت TMLSA ل 10مليون دولار(3.5مليار أوقية قديمة) كمقابل لتسوية الخلاف بين الطرفين.
و يتضح من تفصيل هذا البند أن الطرف الموريتاني كسب و استبقى 42 مليون دولار (17.5مليار أوقية قديمة).
ثالثًا-حصلت الحكومة الموريتانية على أحقية عضوين مراقبين بمجلس إدارة تازيازت TMLSA مما سيمكنها من مراقبة الحياة المالية و الإنتاجية للشركة و الدفاع الأمثل عن مصالح الطرف الموريتاني و إحباط كل محاولات التدليس و التزوير التى لا تتورع عنها غالبا الشركات العاملة فى هذا المجال؛كما حصلت الدولة على دعم مالي سنوي لصالح شركة “معادن موريتانيا” و “الوكالة الوطنية للبحث الجيولوجي” يبلغ 1.3مليون دولار (500مليون أوقية قديمة).
أما فيما يتعلق باتفاقية تحويل رخصة التنقيب (permis d’exploration)إلى رخصة استغلال(permis d’exploitation) لصالح شركة -فرع من تازيازت تسمى SENISSA فقد تم الاتفاق على البنود التالية:
1.دفعُ فرعِ تازيازت الجديد المسمى تازيازت الجنوبية SENISSA إتاوة قد تصل إلى 6.5%من مبيعات الذهب و هو أرفع سقف إتاوة بالمنطقة،و الجدير بالذكر أن القانون الموريتاني يمنح للمستثمر الذى حصل على رخصة تنقيب و التزم بدفتر الشروط الاستفادة من رخصة استغلال؛
2.سداد تازيازت الجنوبية لمبلغ 15مليون دولار(5مليارات أوقيةقديمة)كحقوق الولوج و النفاذ إلى الثروة (droit d’accès à la ressource) و هو ما لم يكن موجودا فى اتفاقية تازيازت TMLSA؛
3.منحُ موريتانيا مجانًا 15%من رأس مال شركة تازيازت الجنوبية SENISSA و إعطائها فرصة إمكانية شراء 10%من رأس مال الشركة إن تأكدت ربحيتها و مردوديتها هذا بالإضافة إلى التمثيل بمجالس الإدارة و التسيير بعضوين أحدهما كامل الصلاحية و الثاني بصفة مراقب مما يمكن من اطلاع أمثل على خفايا الحياة الإنتاجية و المالية للشركة.
و بالمحصلة فإن المزايا المالية العاجلة -الآنية لهذا “الاتفاق-التسوية”بالنسبة لموريتانيا قد تصل إلى 125 مليون دولار(20مليون دولار ناتج عن رفع نسبة الإتاوات+80مليون دولار إعفاء من المستحقات الضريبية +15مليون دولار حقوق الولوج إلى الثروة الجديدة+10مقابل مالي لتسوية الخلاف)فى حين ستستفيد شركة تازيازت سداد الحكومة الموريتانية لمبلغ 48مليون دولار من الضرائب على المحروقات المسددة أصلا مخالفة لنص الاتفاقية باعتراف مُثْبَتٍ بمحضر من سلطات ما قبل 18يونيو.
أما المزايا المالية السنوية و الدائمة “للاتفاق-التسوية” بالنسبة لموريتانيا فهي رفع نسبة الإتاوة المدفوعة من شركتي TMLSAو SENISSA بنسبة سقفها الأدنى33% و سقفها الأعلى 116% و امتلاك 15% من رأس مال الفرع الجديد لتازيازت المسمى تازيازت الجنوبية SENISSA بالإضافة إلى دعم مالي سنوي لشركة معادن موريتانيا و وكالة البحث الجيولوجي و الأملاك المعدنية بمبلغ يساوى 500مليون أوقية قديمة.
و الواضحُ المبينُ من المعلومات و المقارنات أعلاه أن الدولة الموريتانية كسبت ماليا و استثماريا جولة المفاوضات مع كنروس(KGC) لكن جهدًا كبيرًا يجب أن يُبذل فى مجال مرتنة الوظائف القيادية و الفنية فى شركتي TMLSA و SENISSAحتى يتملَّكَ الأطر الموريتانيون أوفر الخبرات المُعِينَةِ على التفاوض الأمثل مع المستثمرين فى مجال الذهب و المعادن عمومًا.
و من المؤكد أن تراكم الخبرات لدى الأطر الموريتانيين السامين هو اللبنة الأولى و الطريق الآمن إلى تحقيق ما يصبو إليه أغلب الموريتانيين ألا وهو إنشاء شركة وطنية برأس مال بشري و مالي موريتاني خالص لاستغلال مناجم ذهب و معادن نفيسة أخرى متوافرة بالبلد و الحمد لله.