اختلفت وتباينت كثيرا، المواقف التقييمية من الخرجة الإعلامية للوزير الاول، المهندس إسماعيل ولد بده ولد الشيخ سيديا، من حيث المناسبة، والزمان، والمكان، ثم من حيث الشكل والمضمون؛ وإن تواطأت، بلا استثناء، على الاستياء، سرا وجهرا، من عملية الإقصاء الفجة التي صدرت بها الأوامر ، في آخر لحظة على ما يبدو، ضد هيئات الصحافة الحرة، مؤسسات سمعية بصرية، ووكالات إخبارية، ومواقع وجرائد مستقلة،!
ترى، من هي الجهة التي امرت، في اللحظات الأخيرة، بإقصاء هيئات الإعلام المستقل، عن ندوة الوزير الاول، ووجهت بذود مراسليها عن بوابة قصر المؤتمرات الذي استضافها، في حضور واسع لاعضاء فريق الحكومة؟!
ذلك سؤال لم يكن وليد الندوة الإعلامية، لكنها اعطت مسوغا قويا لطرحه؛ ولا يتعلق الامر بالندوة، ومن غاب عنها ومن حضر؛ بقدر ما يتعلق بتلك القوة الشريرة الخفية المكينة في الاقبية الرسمية؛ وتراهن على إقامة المتاريس والموانع، ووضع العصى في الدواليب التي تحرك ماكينة الإصلاح، خاصة منذ استلم المقود رئيس الجمهورية محمد الشيخ الغزواني، وتحرك في اتجاه الغايات الوطنية العليا.
لا نضيف جديدا، بالإشارة إلى ان الله تعالى أحاط كل ذي سلطان، ببطانتين؛ بطانة خير تزين له المعروف وتعينه عليه، وتحذره من المنكر، وتحجزه عنه؛ وبطانة سوء تعمل على إفشاله وخباله، وتظهر له الود وتخفي البغضاء، تزين له المنكر وتدفعه إليه؛ وقد فصل القرآن طويلا في التحذير من شرورها؛ فمن تكون إذن بطانة السوء تلك؟ وما هو مصدر قوتها الفاعلة المتنفذة؟ ولحساب من تعمل؟ وهل طرح الرئيس ووزيره الأول، ومن حولهما من قوى الخير، بعض تلك الأسئلة؟ وكيف تلقوا الجواب عنها؟
بالعودة إلى الندوة، فقد كان المحاورون للوزير الأول، في خرجته الصحفية، حصريا، هم من المؤسسات الإعلامية الرسمية؛ وكالة، وإذاعة، وتلفزة، فكان من الطبيعي، لذلك، ان تهيمن على جل الأسئلة مضامين التقارير الرسمية، والمفاهيم العتيقة لافتتاحيات خشبية متحفية، ألفناها في العهود المتجاوزة، من أمثال تلك التي انبعثت من جدثها، ذات مساء من بدايات هذا العهد الميمون، وقد رد لها “المستمعون” ايديهم في افواههم، فرقا، لولا ان لطف الله، فجاء الامر بإعادة دفنها في مقبرة الافتتاحيات الخشبية، إلى يوم البعث.!
في حالة كهذه يكون من الوارد جدا، بل من الغالب، ان تختفي الاسئلة الاكثر إلحاحا وفربا من هموم الناس ومشاغلهم المؤرقة الضاغطة، أي تلك التي تجمع عادة بين “الإلحاح” و “الإحراج”؛ وقد عاب الكثير منها، بلا شك، عن الخرجة الإعلامية لمعالي الوزير الاول، لغيبة الإعلام الحر؛ ومع ذلك، فمن الحق الاعتراف بأن معالبه زاوج، في عرضه وفي إجاباته، بين تبرير بواعث القلق، والتبشير بجوالب الطمانينة، وبين الدعوة للتفاؤل الحذر، والحزم بلا تهور ! وربما أومض إلى أسئلة غائبة، من تلك الأعلى صوتا في الشارع، فقدم بشانها إجابات ضمنية خاطفة، لكنها موحية، ولا تخلوا من إقناع.
وحده سؤال الإقصاء غير المبرر الذي مورس ضد تلك المؤسسات الإعلامية الحرة، سمعية وبصرية، ألكترونية وورقية، والذي حرم المتابعين من ثراء الحوار، ومتعته وثمرة تنوع أسئلته وتعددها وشمولها وحرجها أيضا، إنه السؤال الابرز غيابا عن الندوة، رغم أنه ربما كان الاكثر حضورا في الاذهان، بين الحاضرين والغائبين معا، وكان، لو كان، الاكثر موضوعية، وجوابه، لو كان، يكون الاقل تبريرا، والاكثر غرابة، وقد سبق السيف بشانه العذل، فكان ما كان!!