قبل عدة سنوات، وعلى إثر موجة غير مسبوقة من سب العلماء والفقهاء في بلادنا والتعريض بهم، من طرف بعض الشباب الأغرار، كتبت مقالات أبين فيها خطر التساهل مع تلك الظاهرة؛ ونبهت إلى أن خطة الملاحدة لهدم الدين لن تكون بالطرق التقليدية؛ بل بمحاولة تشكيك الناس فيه مع الزمن، من خلال الطعن في الطرق التي وصل بها إلينا.
حيث قلت في إحدى تلك المقالات: (….مع الوقت يقتنع المتحاورون أن الآراء الفقهية هي مجرد آراء بشرية تحتمل الخطأ، وهذا ليس أمرا مقلقا، في حد ذاته، بل إن أبا الفقهاء مالكا رضي الله تعالى عنه، وهو إمام المذهب في البلد يقول: ” كل يُؤخذ من كلامه ويُرد إلا صاحب هذا القبر”.
.. وشيئا فشيئا ونظرا لكثرة ” الأخطاء” التي يستدركها “الملحد” على المشائخ الأفاضل ، يهون أمرهم، وبالتالي يصبح اتهامهم بأبشع الأوصاف، بل وتخوينهم أمرا مستساغا!
في اليوم الموالي، وتبعا للحجة الاستنباطية عند المناطقة، يتطور النقاش ليشمل حجية أقول الإمام مالك رضي الله عنه نفسه!
ليصل الأمر لاحقا إلى الشك في صحة حديث رسول صلى الله عليه وسلم، والطعن في الصحابة العدول!!
ما يقلق في الأمر أكثرـ وكله مقلق ـ هو أن الطعن في الفقهاء وهم حراس الدين وحملته هو في المحصلة طعن في صدق نسبة النصوص الدينية إلى المشرع، لأنها في الواقع لم تصلنا إلا عن طريق هؤلاء عبر تواترهم، وأي قبول لإضعاف حلقة من حلقات التواتر هو محاولة مستهجنة لإضعاف نسبة النصوص الدينية إلى مصدرها، وهذا ما يسعى إليه أعداء الدين الملاحدة، وينبغي أن نستشعر خطره!!).
هذه الأفكار تذكرتها الآن وأنا أتابع التشكيك في صيام الناس ومحاولة زعزة ثقتهم في إحدى أهم الشعائر والوقت الواجب لأدائها!
وقد رد بعض الإخوة الأكارم على هذه الشبهات بقواعد الحساب الفلكي المتفق عليها حتى من غير المسلمين، والتي تثبت الوقت المحدد للصيام، وهي ردود علمية،لاشك مناسبة!
غير أن الأنسب في نظري هو التأكيد على أن زمن الصيام، بغض النظر عن تلك الحسابات، وصل إلينا بالتواتر مثله مثل كل الشعائر الدينية؛ بل وحتى النصوص الشرعية بما في ذلك القرآن الكريم، وعليه؛ فإن مشكلة من يشكك فيه، هي أنه يسعى عن قصد أو عن غير قصد إلى هدم الدين من خلال التشكيك في مصادره، وهو ما يستدعي سن قوانين رادعة لمثل هذه الآراء الشاذة وتطبيقها بكل صرامة وحزم من طرف السلطات العمومية.
حفظ الله بلادنا من كل مكروه وزادها رفعة وأمنا ونماء.