الشرائحية مصطلح اقتحم المشهد السياسي و الإعلامي الوطني خلال الفترة الأخيرة و لمَّا يجد مستحقه من الدراسة و “التشريح” و لا بد من محاولة ضبطه و ترشيده بما يؤمن تحقيق المنافع و درء المفاسد،
و يمكن تعريف الشرائحية بأنها:
“عمل نضالي من أجل لفت الانتباه إلى فئة اجتماعية،تحت عرقية infra ethnique (ضمن العرق الواحد)تضم مجموعات من المواطنين متواجدة على امتداد كافة التراب الوطني قاسمها المشترك ماض حقوقي منقوص رواسبه لا زالت عاتية شاهدة أو حرفة أو مهنة أو موهبة متوارثة جَرَّتْ -حيفا و عكسا-شيئا من عدم الإنصاف المعنوي”.
و فى اعتقادى أن هذه التعريف:
١- مقدِرٌ لمظالم ماضى الاسترقاق المتوارثة؛
٢-مانعٌ لفتنة التمييع العرقي فليست الشريحة عرقًا جديدًا و لا فعلا انفصاليا عن عرق معين ؛
٣-جامعٌ للشرائح الحرفية و المهنية و المواهبية التى تعانى من شيئ من ” الظلم المعنوي”و تستحق الإنصاف و الترفيع المعنوي.
ويجدر التنويه إلى أنه ما من فائدة-كما نبهت إلى ذلك تكرارا- فى التدافع الحاصل حول المسؤولية التقصيرية اتجاه معالجة “الصدع الشرائحي”ذلك أنه ما نجا أحد-مع مراعاة التفاوت و التناسب- من “خطإ التقصير” اتجاه الشأن الشرائحي بدءً بالعلماء و الفقهاء الذين سكت كثير منهم عن باطل أصول الاسترقاق و “انحرافات-مبطلات” تطبيقه كما لم يحركوا ساكنا ضد بعض “الظلم المعنوي”و “جزاء سنمار” الذى عانت منه شرائح حرفية و مهنية و مواهبية أبلت اقتصاديا و ثقافيا فى بناء الكيان الموريتاني قبل الدولة و بعدها.
كما يتحمل الأمراء و الوجهاء و المشائخ و سلطات الاستعمار و سلطات الجمهورية الأولى و حكام الفترة العسكرتارية و الجمهورية الثانية و رموز النضال السياسي الأممي و القومي و الإسلامي و الشرائحي مسؤولية كبرى فى الترسيخ الصلب و الناعم للغبن الشرائحي.
و بما أن مسؤولية التقصير اتجاه المسألة الشرائحية تشاركية و تأسيسا على أن الإجماع منعقد الْيَوْم بموريتانيا-كل موريتانيا على أن المسألة الشرائحية هي أم المستعجلات الوطنية فإن مسؤولية معالجة” النازلة الشرائحية” لن تكون إلا تشاركية بامتياز مما يتطلب “نفيرا جماعيا”من أجل تصحيح أخطاء الماضى و تعزيز الثقة بين الشرائح المجتمعية بما يضمن مزيد ترسيخ فرص التعايش السلمي و السلم الأهلي و سأكتفى فى هذا “المقام-المقال” بتبيان إشارات حول معالم النفير المطلوب :
أولا- ثورة المؤسسة الحكومية:لا مراء فى أن العبء الأكبر يقع على المؤسسة الحكومية التى بذلت خلال الستينية الماضية جهودا “شبه مقبولة”لكنها قطعًا غير كافية.
و الأمل معقود على مندوبية “تآزر”التى كُلفت برأب الصدع الشرائحي فى القيام “بثورة حكومية”للقضاء على الغبن بشتى صنوفه و مطلوب من كل الخيرين أن يساعدوا هذه المندوبية إمدادًا بالأفكار و مناصرة للنجاحات و “إهداء لها بالعيوب و الإخفاقات”.
ثانيا- انتفاضة المؤسسة العلمية:لقد أكد علماء و فقهاء هذا البلد العارفون البالغون أهلية الفتوى و مقام النصح للمسلمين منذ بداية الاستقلال أن الاسترقاق و “التفاوت المعنوي بين الشرائح”فى هذه البلاد بُنِيّ على باطل و بالتالي فإن علي علماء البلد تجسيد انتفاضة حقوقية من خلال التحلى أولا بالكثير من الجرأة من أجل مزيد تجسيد قيم المساواة و تأسيس الأفضلية بالتقوى عبر تشجيع “الانسجام الاجتماعي “.
كما أن من واجب العلماء و خصوصا الشباب من العلماء و الدعاة التضحية و الذهاب إلى آدواب و حواضن رواسب الاسترقاق و المكث فيها زمنا من أجل تعليم الناس أمور دينهم و دنياهم و تكوين جيل متفقه عالم من أبناء” الشريحة المغبونة” تناط به مهمة بث النهضة العلمية فى الأجيال القادمة من أبناء “الشريحة الأقل حظا فى التعليم”؛
ثالثا- صحوة الهيآت المجتمعية المدنية:
من اللافت لكل من نور الله قلبه أن كل الهيآت المدنية -المرخصة و غير المرخصة- العاملة فى مجال محاربة خفايا الاسترقاق و بقايا رواسبه ينتسبُ تسعةأعشار(90%) قادتها إلى شريحة ضحايا رواسب الاسترقاق.
و الجهد مطلوب بصحوة مدنية يكون روادها من أكمل أهل البلد ورعا و علمًا و ثقافة و وطنية تسعى إلى توسيع و تنويع و “تَلْوِينِ”العمل الحقوقي المدني المناهض لرواسب الاسترقاق حتى نشدِّ عضد النيات و الأقوال المعبر عنها من طرف كافة النخب الوطنية بشأن أولوية و استعجالية “النازلة الشرائحية”بالأفعال النضالية الصادقة الجريئة و “الإِيثَارِيّةِ” ضد مظاهر و جذور الغبن و رواسبه.