ترسل نتائج الباكلوريا رسائل سلبية قوية لمستقبل التعليم و التشغيل في بلادنا.
فنسبة النجاح لا تكاد تصل 15% من المترشحين في أحسن الحالات.
و لهذه النسبة قراءات تحليلة شحيحة المآل، تعطي صورة غامضة لمستقبل الأجيال.
فمن المعلوم أن المترشحين للباكلوريا في الحالة العامة بالغون(18سنة)؛ و هي مرحلة؛ يتطلع فيها الشخص للعمل و الإنتاج أكثر من أي وقت مضى، و تبدأ الأسر التي لم تكد تنهي عقدها الأول من تربية الأولاد في التلطع لمستقبلهم الوظيفي؛ خصوصا الأسر محدودة الدخل؛ و التي تبدأ تستند بشكل مباشر على إبنها في مرحلة البلوغ هذه.
فماذا ينتظرهم و ماذا ينتظر مستقبل أبنائهم؟
إثنى عشر سنة يمضيها ذلك الإبن (او البنت) إبن الست سنوات بين مقاعد الدرس و فصول المدارس و أبواه يتطلعان ان يرياه في نهاية مشواره قد سلك طريق العمل و الإنتاج، ليكون مدرسا او طبيبا أو كاتبا او صحفيا… أو ليتألق فيكمل دراسته الجامعية كلها ليصبح دكتورا متميزا.
تسكن تلك الأحلام معيلي كل الأسر و تمنحهم الإرادة ليتابعوا رعاية أبنائهم و الصبر عليها رغم الظروف الصعبة.
و ما إن يصل الأبناء الى محطة الباكلوريا، حتى تعترضهم صخرة كؤود؛ فلا يكاد يتجاوزها منهم إلا 15% في أحسن الحالات.
و لا شك أن السؤال عن مصير أولئك 15% في منتهى الوجاهة؛ حيث يذهب بعضهم للإصطفاف في طوابير المترشحين للمسابقات الوطنية، في سباق تلفه الكثير من الاسئلة الغامضة حول الشفافية و التنظيم و الموضوعية، و حتى حول القدرة الاستيعابية فهو من تلك الزاوية أشد تقتيرا من نسبة ال15% الآنفة الذكر؛ إذ تصل النسبة المطلوبة من أصل المشاركين ما بين 1إلى 3 %.
و يذهب البعض من تلك ال 15% إلى الجامعة ممن ما يزال أسرهم يتحملون نَفَسا لمتابعة دراستهم؛ ليتخرجوا و ينضمون لطوابير أخرى بحثا عن التشغيل، غير بعيدة من واقع الطوابير الآنفة الذكر.
ذلك هو مصير غالبية تلك 15%؛ لكن السؤال الأصعب و الأكثر إثارة، هو: ماهو مصير ال 85 % التي لم تنجح ؟
هنا تحار العقول و تذهل القلوب و تستحي الأعين؛ أمام واقع شباب يكاد يتيه في متاهات اللامبالات، يمد يديه طلبا للعون عاجزا، ينتظر مستقبلا يسكنه الظلام في أغلب جوانبه.
إن هذا الواقع الرهيب الذي يشكل متتالية تأخذ مسلك متتالية هندسية، متداخلة الحدود مع مرور كل عام؛
يضع وزارات التعليم و التشغيل و الوظيفة العمومية؛ أمام مشكل تراكمي يتضاعف كل سنة.
و يُحتم عليهم أن يفحصوا ذلك الواقع الحالك المظلم؛ بعد إضاءته بمصابيح وهاجة و الإطلاع على أدق تفاصيله، من خلال إحصاءات دقيقة، و بيانات كاملة و شاملة؛ ثم يقومون بوضع الخطط و الإستراتيجيات المناسبة لإحتواء هذا الإنحراف الخطير الذي يشهر بمخالبه في وجه كافة مجالات الحياة.
و لئن كانت السوق المحلية و الأعمال الحرة تمتص قدرا معتبرا من أولئك الشباب الحائرين أمام الواقع المر رغم أنوفهم؛ إلا أن الكثير منهم يبقى يصارع شبح البطالة بعيدا عن التأهيل و التأطير و التشغيل.
إن الجواب المناسب الذي يمكن ان نجيب به أسر أولئك الأبناء؛ حول مستقبل أبنائهم؛ لا بد ان يضع في الحسبان الحالة النفسية لهم و لأبنائهم؛
و يستحضر عقدا من الزمن و يزيد، قضاه الأبناء و أسرهم يلاحقون حلما أصبح سرابا فجأة.
و لا بد أيضا أن ان يضع منظومتنا التعليمية كلها على المحك؛ و يستحضر إرتباط المحتوى التعليم بواقع العمل و بناء شخصية المتعلم، التي واجهت و تواجه كواليس مراحل التعليم، التي يغيب فيها الحاضن التربوي بشكل واضح؛ و تواجه الأسرة خلالها تحديات الرعاية التربوية لوحدها دون سند؛ لتضحي بكل ما تملك من اجل مستقبل تحيطه كثير من التساؤلات الغامضة.
إن واقع التشغيل و التعليم في بلادنا من أكثر الأمور إلحاحا للإصلاح و تحديا للمسييرين؛ و من أعمقها بعدا و تجليا في الجانب الحيوي و الاقتصادي للبلد.
و من الواضح أنه يشكل إشكالا تنمويا ما يزال ينتظر الحلول و يعترض القائمين على تسيير البلد في كل محطاتهم التسييرية.
فهل نجد لفتة كريمة و خطة قويمة و إرادة عظيمة؛ تحلحل هذا الإشكال و تنفض الغبار عن إرشيفه الذي عانى لسنوات طويلة من الإهمال و الفوضى؟
أم أننا سنظل نغض الطرف عن واقع يخاطبنا بصوته المبحوح في كل عام؛ و يرينا وجهه الشاحب دون أن نحرك ساكنا او نسَكِّن متحركا؟