تعاني المنظومة التعليمية في بلادنا مجموعة من المشاكل تشكل عثرة في طريق أي تنمية، إنها حصيلة إخفاقات متراكمة لسياسات تربوية اتسمت بالارتجالية و ضعف الوسائل؛ الأمر الذي يؤكد مدى الحاجة إلى تقويم شامل يفضي إلى إصلاح حقيقي مؤسس على منطلقات سليمة
لقد شهد نظامنا التربوي بعد مرحلة العهد الأول من الدولة الموريتانية إصلاحين تميزا بقدر من الارتجالية و المحاباة؛ مما جعل الأجيال تدفع الثمن غاليا …
و من المحاباة و سوء التقدير ما أسس له إصلاح 1979 -القائم على مقاربة الأهداف- من ضرب للوحدة الوطنية، حين جعل من أبناء الوطن الواحد شعبين غير متواصلين، ينحوان جهة الصدام الثقافي الهوياتي، والتزاع السياسي العقيم .
و جاء إصلاح 1999 الذي اعتمد مقاربة الكفايات؛ ليعالج تلك الاختلالات، لكنه ولد مشلولا من دون آليات محفزة، و ضعيفا من دون مقومات البقاء القائمة على الوسائل الديداكتيكية اللازمة ..
و بعد أريعين سنة من الإصلاحين لم تتحقق الأهداف المرسومة، و لم تحصل الكفايات المطلوبة، و بات التعليم يتخبط في حلقة مفرغة إلا من التردي و التدهور المخيف الذي يهدد مستفبل البلاد .
ومن أهم المشكلات التي يعانيها التعليم في بلادنا اليوم :
1- نقص المدرسين عموما
2-نقص الحجرات الدراسية .
3-نقص الأدوات التربوية و انعدامها أحيانا
4-جمود المناهج التربوية و عدم تحيينها بما يتماشى مع المتغيرات الحياتية .
5-اكتظاظ الاقسام و خصوصا في المدن .
6-ضعف مستوى فهم التلميذ و خصوصا للمواد العلمية المدرسة باللغة الفرنسية .
7-الرتابة و الروتين المدرسي الممل
8-غياب النشاطات الثقافية التربوية و الرياضية
9- ضعف الإشراف التربوي والتأطير و التكوين المستمر .
10-غياب التحفيز المادي و المعنوي
11-سوء تسيير المصادر البشرية .
12-انعدام الكفاءة التربوية لدى الكثيرين .
13- انتشار الغش بين التلاميذ، و أحيانا يكون ذلك بالتواطئ مع المدرسين أو الأهالي .
14– تسرب الكثيرين إلى الأقسام ممن ليسوا أهلا للتدريس بسبب الغش في مسابقات دخول مدارس التكوين .
15- التسرب المدرسي و خصوصا البنات و أبناء الطبقات الهشة الفقيرة
16–الخريطة المدرسية ذات الطبيعة العشوائية .
17-تردي الفصول الدراسية في الغالب
18-الولوج إلى التعليم اضطرارا لا اختيارا لدى الكثيرين .
19- الولوج إلى الأقسام من دون تكوين .
20- ضعف المستوى الأكاديمي للمدرس
إن ما آل إليه واقع تعليمنا اليوم ليس وليد الصدفة، و إنما جاء نتيجة مجموعة من التراكمات السلبية، و هي في الحقيقة انعكاس واضح لفشل السياسات المتخذة لإصلاح التعليم بالبلاد منذ عقود، و التي ركزت في مجملها على الكم دون الكيف .. و دون حساب القيمة المضافة التي يقدمها التعليم الجيد في التنمية الشاملة .
لهذا كانت نتائج كلا الإصلاحين هزيلة، بل رديئة كارثية ، و لعل ذلك يعود في الأساس إلى :
1-عدم جدية وزارات التهذيب و التعليم المتعاقبة في تطبيق النظم و القوانين و المقررات و كذا البرامج .
2-الارتجالية في اتخاذ القرارات
3-غياب المتابعة و التقويم
4-غياب معايير شفافة للتقييم و الترقية .
5-تغيير الخطط و البرامج وعدم إكمالها بتغير الوزراء المتتالي
6-التبني الكلي في الشكل للمقاربات التعليمية المستوردة و التي تختلف تماما عن واقعنا الثقافي و الاجتماعي والاقتصادي.
7- تعديل المناهج بصفة غير منسجمة مع متطلبات الحاضر و المستقبل
8-إهمال المدرس الذي يعتبر قطب الرحى لإنجاح أي استراتيجية تعليمية .
9-ارتهان المؤسسات التعليمية للماضي، و عدم التكيف مع الحاضر ، في ظل عولمة جامحة، أبرزت الحاجة إلى الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة.
10-التركيز دائما على المعارف سريعة النسيان، بدل المهارات المعرفية التي تمكن الفرد من بناء قدرات إبداعية تتطور مع المعطيات، و تتكيف مع الواقع .
11-البيئة المدرسية الطاردة للإبداع .. غير المحفزة على الأداء بفعل ضعف الوسائل و غياب أدوات التحفيز .
ساهمت هذه المعوقات و غيرها في تعميق مشاكل التعليم واتساعها، و لم يتمكن وزراء التهذيب المتعاقبون منذ 1979 إلى اليوم من إيجاد حل جذري ينتشل التعليم من واقع التردي، و كأن هناك أطرافا تتغلغل داخل أروقة الوزارة تسعى دائما إلى إفشال كل برنامج إصلاحي ، أو كأن السياسات العامة للدولة تغفل أو تتغافل و تتجاهل محورية التعليم باعتباره موردا استثماريا حيويا مهما في التنمية .
وكان من نتائج هذا التجاهل :
1- النظرة الدونية للمدرس من طرف المجتمع .
2-تخلف المدرس عن دوره كمرشد تربوي ..اجتماعي و قدوة .
3-غياب دور آباء التلاميذ بوصفهم شركاء محوريين في العملية التربوية .
4- تسرب الأكفاء من المدرسين إلى بعض القطاعات الأخرى أو إلى القطاع الخاص أو إلى الهجرة .
5-الإحباط المؤثر على الأداء لدى بعض الأكفاء من المدرسين .
إن إرادة الإصلاح المعلنة، و الأمل المعلق على برنامج فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني -والذي لا يمكن نجاحه بتجاوز التعليم- يستوجب من كل مهتم بالتعليم أن يدلي بدلوه نصحا و إرشادا .. تقييما و تقويما .
و في هذا الصدد أقترح الأخذ بالنقاط التالية في المدى القريب و المتوسط القريب حتى نرتقي بنظامنا التعليمي إلى سكة الإصلاح :
1–إلغاء التقويم المزمع و استعاضته بتكوين شامل خلال العطلة الصيفية القادمة .
2- إشراك المدرس في التصور بوصفه شريكا لا منفذا فقط .
3- تفعيل دور آباء التلاميذ بوصفهم شركاء طبيعيين لا يمكن تجاوزهم .
4-الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة و تسخيرها لخدمة العملية التربوية .
5- تكملة النقص الحاصل في المدرسين و في البنى التحتية .
6 -العدالة في تسيير المصادر البشرية
7-إيجاد نقاط صحية في المؤسسات التعليمية الكبيرة
8-تفعيل دور المفتشين المتمثل في المتابعة و التأطير .
9-مراجعة المناهج التربوية و كذا الكتاب المدرسي و توفيره .
10- توفير الأدوات الديداكتيكية اللازمة .
11-تطوير آليات الاستفادة من الكفالة المدرسية و تسييرها من طرف الشؤون الاجتماعية .
12-تفعيل الرياضة المدرسية
13-تدريس المواد العلمية باللغة العربية .
14-جعل الأقسام الدراسية ملائمة لتقدبم الدروس من حيث البنية و التهوية و التأثيث .
15-مراجعة مقررات التربية الاسلامية و التربية المدنية و ملاءمتهما للقدرات العقلية للتلميذ .
16-تلقائية الترقيات نتيجة معايير ثابتة و محددة سلفا .
17- تعزيز دروس الرسم و التربية الفنية في المرحلة الابتدائية .
18-إجراء تكوينات مستمرة كل صيف للمدرسين على مستوى كل ولابة .
19-تكوين شراكات تربوية مع الدول الشقيقة و الصديقة و كذا المنظمات الدولية بهدف الإستفادة من التجارب الاصلاحية و الخبرات التربوية .
20-بناء أحياء سكنية للمدرسين حيث تخصص مساحة 600 متر مربع من مساحة كل مدرسة أو في ساحة قربها لبناء عمارة سكنية تتكون من شقق بعدد أفراد الطاقم المدرسي .
إن قطاع التعليم جزء من كل، غير أنه يمثل المورد الذي يصدر منه ذلك الكل، ولكي لا تنضب ينابيعه يجب ان نعمل على تماسك النسق التربوي المطلوب، و تناغم المنظومة الاجتماعية مع الإصلاح المنشود .. و ان نعمد إلى رسم استيراتيجية متكاملة واضحة المعالم تعالج الاختلالات و تضع أهدافا ممكنة التحقق، تشارك في صياغتها كل النقابات التربوية و هيئات المجتمع المدني العاملة في المجال و روابط آباء التلاميذ و الخبراء التربويين الميدانيين من مدرسين أكفاء ، بالاضافة إلى القطاعات الحكومية التالية : وزارات التعليم .. الشؤون الاجتماعية .. الصحة .. البيئة .. الإسكان .. الداخلية.. الثقافة .. الرياضة .
و بهذا نكون أمام عملية إصلاح حقيقي للمنظومة التعليمية يستهدف الطفل .. لا يهمل المدرس، و يشرك الأب في التصور و المسايرة الإيجابية . FacebookTwitterWhatsAppPartagerhttps://www.facebook.com/plugins/comments.php?app_id=&channel=https%3A%2F%2Fstaticxx.facebook.com%2Fx%2Fconnect%2Fxd_arbiter%2F%3Fversion%3D46%23cb%3Dfeec3afd2ed0c8%26domain%3Drimnow.net%26origin%3Dhttps%253A%252F%252Frimnow.net%252Ff844595065aa4c%26relation%3Dparent.parent&color_scheme=light&container_width=380&height=100&href=https%3A%2F%2Frimnow.net%2Fw%2F%3Fq%3Dnode%2F13148&locale=ar_AR&mobile=true&sdk=joey&width=