مرّت بنا قراءات سطحية تبتذل أسباب الانتفاضة الشعبية في مالي تحت عباءات دعاوى مغرضة، مثل اختزالها، فقط في التزوير الأخير للانتخابات التشريعية لشهر مارس المنصرم، إضافةً لظهور مقطع لابن الرئيس كريم كيتا في حفلة يعتقد أنها في أموال دافعي الضرائب في مالي. أو طمع رجل دين للوصول إلى سدّة الحكم عبر أتباعه في المذهب. لكن الحقيقة والواقع أنّ الانتخابات ما هي إلا القشة التي قصمت ظهر البعير:
الحقائق ال15 لأسباب الأزمة المالية:
(1): أنشأ الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا ، بعد انتخابه في عام 2013 ، نظام فساد يقوم على الإفلات من العقاب الذي أثر بشكل خطير على جميع قطاعات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والإدارية والثقافية والاجتماعية. خاصة الوضع الأمني في مالي ، حتى في المناطق الفرعية.
ومكن عائلته وأصدقائه، وأنشأوا نظامًا حقيقيًا للاستيلاء على الثروة الوطنية لمالي، والسيطرة على أجهزة الدولة والإدارة العامة، مع شرعنة المصالح الشخصية في جميع القطاعات الاقتصادية والمالية، ما حال دون قيام الدولة بوظائفها السيادية وخاصة مالي وأصبحت مالي على حافة الانهيار وتهد أمن منطقة الساحل كلها.
.
(2): أسس نظام إيبيكا، حكم الأقلية الأوليجاركية، من خلال التدخل الصارخ للمصالح الخاصة التي سيطرت بشكل كامل على إدارة الشؤون العامة من قبل أقربائه وعائلته.
( 3): الاختلاس الهائل والموثق بالأرقام للأموال المخصصة لميزانية الدولة ، بما في ذلك الأموال المخصصة لقوات الدفاع والأمن في بلد بحالة حرب، وتحت رحمة المساعدات الأفريقية والدولية. بلد يعتبر واحد من الأغنى من حيث الموارد.
(4): وعد نظام إيبيكا بأن يكون صارما ضد ميليشيا أزواد، لكنّه ما أنّ وصل للسلطة حتى تم استغلال الأزمة في شمال ووسط البلاد بغرض الاستيلاء على السلطة والمحافظة عليها. ( فرق تسد)
-(5): التخلي عن السكان في المناطق النائية، وتركهم لمصيرهم من خلال تنظيم أسلوب “غياب الدولة “
(6): قام النظام برسم دعائم جميع أنواع الاتجار والممارسات الفاحشة والسيئة والتي أثرت على المناطق الفرعية في البلاد، إضافةً لتردّي مستوى المعيشة في العاصمة.
(7): قام نظام إيبيكا بالتغاضي عن مسؤوليته في الوحدة الوطنية وسمح العيش معًا من خلال تجاهل وصيانة الميليشيات العرقية ، والطائفية ، التي تسببت جميعها -منذ 2014- في مقتل أكثر من 5000 مدني وجندي ، وتدمير أكثر من 400 قرية، ومدارس أغلقت وكذلك الآلاف من اللاجئين أو النازحين، مما أدى إلى افتراض المسؤولية عن الجرائم وفقدان شرعية السيد إبراهيم بوبكر كيتا لتولي منصب رئيس الجمهورية. كما ترى قيادات الحراك.
.
(8): التراخي والتواطؤ في الحرب ضد الإرهاب التي ترسخت أخيراً في البلدان المجاورة ، والتي جعلت مالي مركزاً ونقطة ضعف في زعزعة استقرار منطقة الساحل.
.
(9): عدم احترام الالتزامات المتعددة لتخفيف الوضع الاجتماعي السياسي والأمني ، وفشل كل محاولات الحوار ، ما أدى إلى إضعاف مالي على الساحة الإقليمية الدولية.
.
(10): طوال فترات حكم إيبيكا، تم التخلّي عن قطاعات كاملة من الحياة الاجتماعية والاقتصادية كقطاعات من (المدارس ، الصحة ، القطاع الزراعي ، البنية التحتية ، إلخ) .
(11): ومنذ 2013، حتى 10/07/2020 لوحظ الاختفاء القسري للصحفيين والقادة السياسيين ، والاعتقالات التعسفية ومؤخراً تم اعتقال قيادات حراك ( 5يونيو) M5-RFP وعدد من المتظاهرين، ما هو انتهاك صارخ لحقوقهم وحرياتهم، كل هذا في تجاهل تام لجميع القواعد الإجرائية القانونية ( كالتحقيق، وحق الظهور والامتثال أمام القضاء).
(12): هذا غير الانتهاكات العامة والمتكررة لمواد الدستور . خاصة المادة (37 من الدستور ) التي تنص على عدم انتهاك مبدأ الفصل بين السلطات. لكن نظام ايبيكا في 7 سنوات تدخل في الإجراءات القانونية. وشؤون المحكمة الدستورية. نزع الشرعية عن مؤسسات الجمهورية. تعدّى على “السلامة الإقليمية وشرعن غياب الدولة وفقدان السيادة على أجزاء كاملة من الأراضي الوطنية وغيرها من الانتهاكات.
.
(13): ومن إرهاصات أزمة مالي الحالية: التزوير الانتخابي ، لا سيما خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2018 (2) والجولتين لانتخاب النواب في مارس وأبريل 2020 في ظل أزمة كورونا وتعارض من بعض الشعب ونيف من المعارضة.
.
(14): الشرارة الكبرى: القمع الدموي لآخر المظاهرات الشعبية، التي تسببت في مقتل ما لا يقل عن ثلاثة وعشرين (23) حالة وفاة وأكثر من مائة إصابة خطيرة حسب التقارير. والأسوأ أنّه من قبل القوات الخاصة لمكافحة الإرهاب (FORSAT) وباستخدام أسلحة الحرب والذخائر الحية ضد متظاهرين سلميين. في الشوارع ومقار المنظمات السياسية وبعضهم في منازلهم الخاصة، وحتى في أماكن العبادة كما حدث مع الشيخ الإمام محمود ديكو.
.
-(15): السبب الأخير الذي أدى إلى تعقيد الأزمة، تعنتّ الرئيس الكفيف أمام المطالبات الثلاثة الضرورية من قيادة الحراك( 1- حل البرلمان، 2- تغيير كافة أعضاء المحكمة الدستورية، 3- ترشيح رئيس وزراء توافقي يعينّه الرئيس، ولا يحق له عزله إلا تحت إجراءات ديمقراطية). مطالبات لو قبلها الرئيس ما تفاقمت الأوضاع التي سببت تطرف الحراك إلى نقطة اللاعودة بعد مقتل الشباب وخاصة في المسجد الذي هو مقر العبادة ويعتبر من أقدس المناطق لشعب 95% مسلم.
في ضوء ما سبق، ما من أحدٍ يتمتع بضمير استنكافي، إلا ويرى شرعية المظاهرات. مظاهرات بدأتْ في أولى وهلاتها بعروض الانزعاج عن انحرافات النظام السياسية، ثم الاعتراضات السياسية من الصحفيين والمجتمع المدني، وكذلك المعارضة السياسية، وحتى القيادات الدينية- التي تعتبر في مالي بوصلة أخلاقية لسير المجتمع- . بعد الاعتراضات ، ظهرت حالات من التمرد من ميليشيات عرقية قررت الدفاع عن نفسها أمام تخاذل السلطة، وكل هذا لم يحرك ضمير النظام، ما أدى بدوره إلى العصيان المدني.
أمام كل معايير الدولة ذات السيادة، يلزمنا الاعتراف أنّ مالي على حافة الانهيار كدولة قومية وأمة. ولإنقاذها اجتمعت 100 حركة سياسية، بينها رئيس وزراء سابق، وزراء سابقين، مسؤولين كبار، قيادات المجتمع المدني،-نعم- ومشايخ دين أيضا. إذن هي انتفاضة شعب، وليست نزوعات إسلاميين يحاولون إسقاط الجمهورية. علاوةً على أنّ الإمام ديكو صرّح أكثر من مرة؛ أنّه رجل دين ولن يبدّل منبره ( للوعظ والخطبة) بكرسي الرئاسة ولو عُرض عليه، لأنّ ذلك ليس وظيفة شيخ دين، بل هو دبوس أخلاقي للمجتمع.
بواسطة: إدريس آيات يوليو 25, 2020
الموقع: المركز العراقي-الأفريقي للدراسات الاستراتيجية