الزراط
يتعرض الإنتاج الزراعي هذه الأيام و حلم الإكتفاء الذاتي لضربات موجعة ليس فقط بسبب امطار الخير وانقطاع يد العون السينغالية بل ايضا من طرف الوزارة الوصية على البيئة و التنمية المستدامة. فقد اتخذت هذه الوزارة اجراءات غير مدروسة الاهداف و العواقب تقضى بإجبارية الدراسة البئية كلما تطلب الأمرإعادة استصلاح اوتنظيف الغطاء النباتي بالنسبة للمزارع قيد الإستغلال اوالخاضعة لفترة استراحة وان في مناطق زراعية بحتة وخارج أية محميات بيئية اوتراثية.كما حصرت الدراسة واستصدار الوثائق المترتبة عليها على الوزير والمصالح و الادارات المركزية للوزارة.
و قد اعدت هذه الالإجراءات غيرالتشاركية دون تقدير التأثيرات السلبية على حتمية الإكتفاء الذاتي ، في خلق فرص مربحة للمفسدين وادخال المزارعين في دوامة من الوقت الضائع و التكاليف الباهظة، في هز ثقة الشركاء المستثمرين في قطاع الزراعة وفي إبتزاز المفسدين الكثر في هذا القطاع. هذا بالأضافة الى انها قد تحفز المواطن و ترغمه على مخالفة القانون و التحايل عليه في ظل عدم جدوائية الوثائق الإدارية التى يستصدر بعد الكثير من الجهد للحصول ملكية خاصة واحترام القوانين المختلفة ومدونة البيئة ( code de l’environment ) في الإستغلال و الإستصلاح و قطع الاشجارللأغراض الإستثمارية في الانشطة الإنتاجية الزراعية المختلفة بما فيها الغابوية.
أي فائدة قد تتوخى من تغيب المصالحة الفنية الجهوية عن دورها الاصيل في اللامركزية و تقريب الخدمات من المواطن غيرالتضيق في مصادرالرزق ؟
وحتى تتخذ الوزارة من الغطاء النباتي مصدرا ماليا، هل يغيب على خبراءنا البيئيون ان تكلفة قطع الاشجارالمتجددة و اعادة الإستصلاح تفوق بكثير العائدات المالية للتفحيم (carbonisation ) و ان زراعة الاشجار الغابوية قد تشكل نشاطا زراعيا اقتصاديا في الملكيات الخاصة ؟
قد تتفهم هذه الإجراءات بالنسبة للمزارع الجديدة و في ردع قطع الأشجار في المناطق الرعوية للحد من زحف التصحر، في حماية الغابات و المحميات البيئية و التراثية و كذا في اجبارية تطبيق و تقييم ابروتوكولات بيئية ضد تلوث الهواء و التربة و المياه الجوفية و السطحية عن طريق الانبعاثات الغازية و المواد الكيماوية الزراعية في المناطق المخصصة بصفة بحتة للإنتاج الزراعي. لكنما خفي هدفه و تعذر تقبله هو تعقيدات رخص قطع الأشجار في مناطق زراعية بحتة تتمتع بكل الوثائق و اثار الإستغلال الفعلي بحجة لا تصمد كثيرا ان المزارع يمتلك الارض و الدولة تمتلك الغطاء النباتي او لأسباب حكامة رشيدة تخص الوزارة دون غيرها في هيكلتها وتسييرها و مصداقية اجهزتها الجهوية و كادرها البشري.
ان هذه الإجراءات أحادية القطاع ومركزتها الكلية تشكل انتهاكا صارخا لمبادئ التنمية المستدامة و رجوعا الى المقاربات الكلاسيكية الغير مندمجة (approches interventionnistes ) و التي اصبحت متقادمة و اثبتت فشلها لعدم اشراك كل المعنيين من قطاعات عمومية و شركاء تنمويين و منظمات مهنية ومواطنين و فاعلين قاعديين مباشرين.
فهل يعقل ان يكون القطاع المكلف بالتنمية المستدامة هو المكرس للمقاربات التنموية غير التشاركية متجاهلا دور القطاعات العمومية الاخرى و اهدافها و الإختصاصات الفنية المختلفة (autres disciplines ) واهمال توصيات الفنيين الزراعيين والتنافسية الإقتصادية؛ و هل يعلمون خاصة ان فترة الراحة المشغولة (jachère (travaillée للاراضي الزراعية و نمو الغطاء النباتي فيها هي تقنيات زراعية ملحة فنيا لإستعادة خصوبة الارض و خصائصها البدولوجية و الميكروبيولوجية و بالتالي مردوديتها الفنية و الاقتصادية ؟
إن التنمية المستدامة ومبادئها و آلياتها التنفيذية تعتمد في اسسها التشاركية والتنمية المحلية و اللامركزية كشروط ضرورية و كافية لاية اجراءات تنموية يراد لها النجاح والاستمرارية. فالحفاظ على البيئة ليس العنصر الوحيد المحدد للتنمية المستدامة بل الإقتصاد والإنسان ايضا عناصرمحددة اساسية من ناحية الحاجة والإعاقة للمصادر و الثروات الطبيعية. فالهدف الاسمى للتنمية المستدامة هو سد حاجيات الأجيال الحالية دون التأثيرسلبيا على قدرات الأجيال القادمة في فعل ذلك من خلال التوزيع المنصف للمصادر و الثروات بين هذه الأجيال (inter et intra générations ) وكذا الإستقلال المعقلن للمصادر الطبيعية في ظل استمراريتها. و عليه فان الحفاظ على توازن النظام البيئ (écosystème ) ليس غاية في حد ذاته بل وسيلة لخدمة الإنسان من خلال حل معادلة التأثيرات المتبادلة بين الانسان و الإقتصاد و البيئة و ايجاد قيم التقاطع بينها و هي القيم المثالية (optimums économique, environnemental, social )، ثلاثية التنمية المستدامة Viabilité, vivabilité et équité ، و ليست القيم الحدية ( maximums) لكل عنصر على حدة.
لقد كان حريا بالوزيرة القضاء على ظاهرة التدمير غير المسبوق للغطاء النباتي خارج المناطق المخصصة للزراعة من خلال الوية هيكلة الوزارة نفسها و اصلاح منظموتها الرقابية و الفنية و تدعيمها على المستويات الجهوية بالإضافة لاشراك كل القطاعات في استصدار اجراءات اكثر شمولية للجوانب الفنية و الاقتصادية و الاجتماعية.
و في اطار الإصلاح نتمنى على الوزارة ان تراجع هذا الإجراءات الأحادية معتمدة سياسة اكثر اندماجا وتشاركية في المسائل البيئة من خلال العمل على النقاط الرئيسية التالية :
- اصلاح القطاع البيئي والقطع مع المقاربات الردعية المحضة واستبدالها بمقاربات الإستغلال المستديم للموارد وترسيخ الثقافة البيئة كجزء من الوعي الجماعي للسكان و المستثمرين.
- اعتماد مقاربة التسيير التشاركي الجماعي للمصادرالطبيعية و تعميم تجارب مشاريع (PROGRN et GIZ ) في استغلال المصادر الطبيعية وانشاء روابط تسير جماعية محلية في كل مناطق البلاد ؛
- الفصل الواضح للمناطق و تصنفيها الى مناطق بيئية، زراعية، رعوية، عمرانية، صناعية، الخ من خلال قانون عقاري و زراعي يحدد بوضوح المناطق حسب ميزاتها (vocation ) الإقتصادية كما يرسم لها حدودا واضحة و يعدد الأنشطة المرخصة و الممنوعة فيها ؛
- ان تعتمد الدولة رخصة موحدة تمكن المزارع من مزاولة نشاطه دون ما يعانيه من عراقل تخضعه للكثير من التكاليف و الوقت و الإبتزاز على مستوى قطاعات متعددة و لها اهداف غير موحدة ومتناقضة احيانا.