في عام 2012 شنت الصين “حملة قومية شاملة ضد الفساد”، أدت إلى استرجاع 38.7 مليار يوان ( أي حوالي6.2 مليار دولار). بعدها وضعت الصين ما يُعرف ب “الخطة الخمسية الثانية عشرة” وهي خطة استراتيجية مكثفة امتدت ما بين 2013 إلى 2017، وأمرت السلطات بالتطبيق الحازم للقواعد التى تحتم على المسئولين الإبلاغ عن الأصول المالية والمداخيل الخاصة بهم وبأسرهم، وأي أنشطة استثمارية لهم، كما انشأت خطوطا ساخنة ومواقع مضادة للفساد على الإنترنت، وعززت النيابة العامة أعمالها فى جمع الأدلة لحماية المبلغين والشهود.
وقد اثمرت هذه الجهود -بالاضافة إلى استرجاع الأموال- إلى سجن فيالق من المفسدين وفرار بعضهم خارج البلاد. الحزم الصيني ضد الفساد حصن موارد الصين والجم المفسدين.
أما في موريتانيا ذلك البلد محدود الموارد، فرغم وجود شبه اجماع على استفحال النهب والفساد، فقد عزز الاقتناع بذلك الرأي، نشر لوائح الفساد الموثق تحت توقيع محكمة الحسابات وبدونه، دون أية محاكمة لأي مفسد (حتى الآن).
إن حجم الإحباط والتذمر المتصاعد الآن في موريتانيا، هو نتاج طبيعي لتراكم أكوام من الخيبات والوعود الزائفة والتردد منذ تاريخ إنشاء الدولة الموريتانية وحتى اليوم حيث لا عقاب ولا خشية لا من الله ولا من القانون.
إن تصاعد ظاهر الاحباط أدى إلى ترويج خطاب جديد، يعمم السرقة على المجتمع بصورة عامة (دون استثناء)، ويعتبرها ظاهرة عارمة، في محاولة لجعل العقاب مسألة شبه مستحيلة لأن جائحة الفساد قد طالت الجميع.
لقد أدى الفساد إلى إعاقة النمو الاقتصادي وقوض كل مستهدفات خطط التنمية طويلة وقصيرة الأجل. وأدى إلى إهدار موارد الدولة أو على أقل تقدير سوء إستغلالها، مما أعدم الفائدة المرجوه من الإستغلال الأمثل لخيرات البلد.
ويخشى المراقبون -في ظل التهاون- من هروب الإستثمارات سواء الوطنية أو الأجنبية لغياب حوافزها ولغياب مناخ آمن مشجع. فهل تحتاج موريتانيا إلى حملة شعبية شاملة ضد الفساد، على غرار الحملة القومية الصينية؟
إن من النتائج الحتمية للفساد: الاخلال بالعدالة التوزيعية للمداخيل والموارد، واضعاف الفعالية الاقتصادية وازدياد الهوة بين الفئات الغنية والفقيرة، وكذلك اضعاف الإيرادات العامة للدولة نتيجة التهرب من دفع الجمارك والضرائب والرسوم، وذلك بإستخدام الوسائل الإحتيالية والإلتفاف على القوانين النافذة. بالاضافة إلى التأثير السلبي لسوء الانفاق العام لموارد الدولة، عن طريق اهدارها فى “المشاريع الكبرى” التي تصدر “طبقا لتوجيهات الفخامة”، حيث تحرم قطاعات هامة مثل الصحة والتعليم والخدمات… من الإستفادة من هذه الموارد.
إن من خطورة الفساد على بلد نامي كموريتانيا أنه قد يدني كفاءة الإستثمارات العامة، ويضعف مستوى الجودة في البنية التحتية العامة، بفعل الرشاوي التي تدفع للتغاضي عن المواصفات القياسية المطلوبة، بسبب صفقات التراضي بصفة عامة.
أما على الصعيد السياسي فإن جائحة الفساد المنتشر في موريتانيا -إن لم تكافح- فقد تؤدي إلى تشويه الدور المطلوب من الحكومة بشأن تنفيذ السياسة العامة للدولة، وتحقيق مستهدفات خطط التنمية. كذلك قد تؤدي إلى انهيار وضياع هيبة دولة القانون والمؤسسات بما يعدم ثقة الأفراد فيها. ويؤدي إلى اضعاف كل جهود الإصلاح المعززة للديمقراطية بما يتزعزع معه الاستقرار السياسي. ويؤدي كذلك إلى اقصاء الشرفاء والأكفاء (خصوصا من فئة الشباب الصادقين والذين لم يتلطخوا بالفساد)، ويحرمهم من الوصول للمناصب القيادية مما يزيد من حالة السخط بين الأفراد، ونفورهم من التعاون مع مؤسسات الدولة.
إن موريتانيا تحتاج الآن أكثر من أي وقت مضى إلى نهج سياسات جادة للتصدي للمفسدين الذين يحاولون التمترس خلف القبيلة والجهة وبعض التصنيفات الجوفاء للاحتماء من الملاحقات القانونية الجادة، ويحاولون إعاقة وتقويض كافة الجهود الرقابية المحصنة لأعمال وسمعة الحكومة والقطاع الخاص.
إن النظام الموريتاني الحالي المتمسك برموز الفساد، قد عجز كليا عن تقديم مبررات مقنعة لأنصاره للأسباب التي أدت إلى الابقاء على شخصيات مشهود لها بالفساد. في الحقيقة فإن سياسة التريث والتدقيق مهمة جدا، لكنها إن طالت قد تعطي نتائج عكسية، فخطورة الفساد أنه قد يؤدي إلى انهيار النسيج الاجتماعي وإلى إشاعة روح الكراهية بين طبقات وفئات المجتمع نتيجة عدم العدالة والمساواة في تكافؤ الفرص.
فهل يفعلها نظام الرئيس محمد ولد الغزواني ويضع نقطة نهاية لممارسات المفسدين وتحييدهم من المشهد؟